أخلاقيات المترجم وقواعد السلوك المهني

أخلاقيات المترجم وقواعد السلوك المهني

شارك مع أصدقائك :

في عالم الترجمة، الكلمة ليست مجرد حبرٍ على ورق، بل أمانةٌ تُحمَل كما تُحمَل الرسائل المقدسة: بصدقٍ ومسؤولية.

فالمترجم، حين يضع القلم على الورقة، لا ينقل المعنى فقط، بل يحمل في يده ثقة كاتبٍ، وحقّ قارئ، وصوت أمةٍ كاملة.

وهنا تكمن الأخلاق... لا في الكلمات التي نكتبها، بل في النية التي نحملها ونحن نكتبها.

أولاً: الأمانة العلمية جوهر المهنة

الأمانة ليست شعارًا، بل معيار وجود المترجم في هذه المهنة.
أن تترجم بأمانة يعني:

  • ألا تحذف ما لا يروقك.
  • ألا تضيف ما لم يقله النص.
  • ألا تُجمّل ما أفسده المعنى.

المترجم الأمين لا يخشى الصراحة، فهو لا يغيّر النص ليُرضي أحدًا، بل ليُرضي الحق في المعنى.

الكلمة المترجمة بلا أمانة، كمرآةٍ تعكس الصورة ولكنها تكسر النور.

ثانيًا: السرّية احترام الثقة قبل النص:

كل نصٍّ يُسلَّم إلى مترجم هو عهدٌ غير معلن.
سواء كان وثيقةً قانونية، أو دراسةً بحثية، أو خطابًا شخصيًا، يجب أن يظل في دائرة الثقة.

السرّية هنا ليست التزامًا قانونيًا فقط، بل موقفٌ أخلاقيٌّ ينبع من ضمير المترجم قبل توقيعه على العقد.

في المؤسسات الكبرى بالمملكة ودول الخليج، تُعدّ اتفاقيات عدم الإفشاء (NDA) شرطًا أساسيًا في مشاريع الترجمة،
لكن المترجم الحقيقي لا يحتاج وثيقةً ليحترم أسرار عمله.

الأمانة لا تُكتب في العقود… بل تُكتب في القلب.

ثالثًا: الحياد ترجمة دون تحيّز:

حين تترجم خطابًا سياسيًا أو مقالًا إعلاميًا أو نصًا دينيًا، قد تشعر بالرغبة في التعديل، في الميل، في “إصلاح” ما تراه خطأ.
لكن مهنتك لا تسمح بذلك.

الترجمة الحقيقية مرآةٌ صافية، لا تزيد ولا تنقص.
فالمترجم ليس خطيبًا ولا مفسّرًا، إنما هو شاهدٌ أمين على النص، ينقله كما هو، لا كما يحبّه.

الترجمة بلا حيادٍ تتحول من فنٍّ للفهم إلى سلاحٍ للتأثير.

رابعًا: احترام المؤلف واللغة والثقافة:

لكل كاتبٍ صوته، ولكل لغةٍ إيقاعها.
والمترجم الذي يحترم المؤلف لا يسرق صوته، بل يمنحه حياةً أخرى بلغةٍ جديدة.

الاحترام في الترجمة يعني أن تفهم ما وراء النص:

  • أن تحفظ أسلوب الكاتب وأفكاره.
  • أن تراعي ثقافة المتلقي ومشاعره.
  • وأن توازن بين الأمانة للمعنى والملاءمة للسياق.

في الترجمة الأدبية مثلًا، ليس من الأخلاق أن تترجم نكتةً غربية كما هي، بل أن تبحث لها عن ما يعادلها في ثقافتك دون أن تقتل روحها.

المترجم الحقيقي هو من يُسمع المؤلف بلغةٍ لم يتحدثها من قبل… دون أن يغيّر نبرته.

خامسًا: المسؤولية المهنية والانضباط:

الأخلاق ليست فقط في النية، بل في العمل المنضبط.
فمن أخلاقيات المترجم:

  • احترام المواعيد.
  • التواصل المهني اللائق مع العملاء.
  • الاعتذار عند التقصير دون تبريرٍ أو إنكار.

في بيئة العمل الحديثة، يتساوى الالتزام بالمواعيد مع الالتزام بالدقة في المعنى،
لأن الثقة في المترجم لا تُبنى على جودة النص فقط، بل على صدق التعامل.

سادسًا: التعاون والاحترام داخل فرق العمل:

مشاريع الترجمة الكبرى في الخليج باتت تُدار بفِرقٍ تضم مراجعين ومحررين ومترجمين مساعدين.
وهنا تظهر الأخلاق في أبهى صورها:

  • أن تُقدّر جهد زميلك.
  • أن تقبل المراجعة برحابة صدر.
  • وأن تفصل بين النقد والذات.

فالمترجم الذي يعمل بروح الفريق، يعرف أن النص العظيم لا يُكتب بيدٍ واحدة.

من يترجم بروحٍ متواضعة… يكتب بلغةٍ يفهمها الجميع.

سابعًا: الاستقلالية والرفض المهني:

ليست كل ترجمة تستحق أن تُنجز.
حين يُطلب منك أن تترجم نصًا يحرّض على الكراهية أو يخالف القيم الإنسانية، كن شجاعًا وقل: “لا”.

الرفض في هذه الحالة ليس ضعفًا، بل قوة أخلاقية.
فالمترجم الذي يعرف متى يمتنع عن العمل، هو الذي يُثبت أن ضميره أكبر من أجره.

في الخليج… المترجم نموذج الثقة المهنية

تولي المؤسسات السعودية والخليجية اليوم أهمية متزايدة لأخلاقيات المهنة، فقد صدرت مواثيق مهنية من هيئة الأدب والنشر والترجمة
ومن جمعيات المترجمين في الإمارات وقطر والكويت، تؤكد أن المترجم سفير ثقافةٍ ومسؤولية قبل أن يكون ناقلًا للكلمات.

خاتمة:

الأخلاق هي اللغة التي يفهمها الجميع بلا ترجمة.
والمترجم الحقيقي هو من يجعلها حاضرة في كل نصٍّ يمرّ بين يديه.

فالأمانة ليست مبدأً في الترجمة بل هي الترجمة نفسها.


تابعنا على :


التعليقات (0)

اترك تعليق

تعرف علي خدماتنا

فتح الدردشة
دراسة للاستشارات والدراسات والترجمة
أهلا
مرحبًا بكم في دراسة
كيف استطيع مساعدتك؟
Phone

الهاتف

تواصل معنا
أخفاء