نظرية الانتشار الثقافي لكروبر
شارك مع أصدقائك :
نظرية الانتشار الثقافي لكروبر
هذا المقال يتناول نظرية الانتشار الثقافي لكروبر، حيث نبدأ المقال بتقديم مفهوم الانتشار الثقافي للقارئ، وبيان المراد منه. ثم نشير بإيجاز إلى نشأة نظرية الانتشار الثقافي وأفكار النظرية الانتشارية. وأخيراً يأتي الكلام على عوامل وخصائص الانتشار الثقافي.
نظرية الانتشار الثقافي
هل تساءلت يوماً: كيف انتشرت الأديان أو العادات أو الأطعمة عبر المجتمعات المختلفة؟ وهل يرجع السبب في الأمثال والمجازات والابتكارات المتشابهة بين الشعوب إلى الاقتباس أم إلى التوازي في الابتكارات؟ وكيف تأثرت الأمم بثقافات الأمم المجاورة؟ أمن خلال الغزو أم من خلال الهجرة أم وسائل أخرى؟ في كتابه (شجرة التطور لذات الرداء الأحمر) قام جيمي طهراني بتتبع النسخ المختلفة لقصة ذات الرداء الأحمر، بحثاً عن أصلها.
فوجد أن القصة تروى في الصين وأفريقيا وأوروبا مع اختلافات يسيرة، كما توصل إلى أن أصول القصة تعود إلى أكثر من ألف عام. وهذا بالتحديد هو ما دفع كروبر إلى صياغة أفكار النظرية الانتشارية في القرن الماضي. والتي تعد من أول وأشهر النظريات في علم النفس الاجتماعي وعلم الأنثروبولوجيا. وقد اهتم ألفريد كروبر بتفسير كيفية انتشار العادات والتقاليد عبر المجتمعات.
مفهوم الانتشار الثقافي
لا بد أنك قد سمعت يوماً قصة سنووايت والأقزام السبعة أو شاهدت فيلم الكرتون الذي أنتجته ديزني عن هذه القصة. ربما تعلم أن قصة الفيلم لم تكن من تأليف والت ديزني، وإنما أخذها كتاب الأخوان غريم: حواديت الأطفال والبيوت. والذي سعى فيه الأخوان إلى جمع حكايات التراث الألماني، خوفاً عليها من الانصهار في الثقافة الفرنسية نتيجة رغبة نابليون في التوسع في ذلك الحين. لكن المذهل أن قصة سنووايت لم تكن ألمانية خالصة، بل ثمة قصة شبيهة حكاها الفرنسي شارل بيرو قبل الأخوان غريم بنحو قرن. وهنالك أخرى ذكرها الإيطالي جيامباتيستا باسيل في القرن السابع عشر. وربما لو واصلنا البحث عن أصل القصة لوجدنا أصولها تعود إلى ما يزيد عن ألف عام. وقد كان هذا هو ما أشعل في ذهن ألفريد كروبر أفكار النظرية الانتشارية في الأنثروبولوجيا. ففي كتابه (انتشار المثيرات) قدّم كروبر للعالم مفهوم الانتشار الثقافي على أنه عمليات انتقال وتبادل العوامل الثقافية - كالعادات والتقاليد، واللغات، وأساليب العيش، والأديان - بين الأمم والمجتمعات أو الحضارات المختلفة.
نشأة نظرية الانتشار الثقافي
تعتبر نظرية الانتشار الثقافي لكروبر واحدة من أهم نظريات الأنثروبولوجيا وعلم النفس الاجتماعي. وقد ظهر مصطلح الانتشار الثقافي (Cultural diffusion) للمرة الأولى في أربعينيات القرن العشرين على يد عالم النفس الاجتماعي والأنثروبولوجيا ألفريد كروبر. وعندما قام كروبر بصياغة النظرية الانتشارية في الأنثروبولوجيا توصل إلى حقيقة أن البشر - باختلاف أعراقهم وأزمانهم وأماكنهم - يأخذون من بعضهم البعض، ويقتصر ابتكارهم على إدراج بعض التعديلات والتغييرات في الفكرة الأصل.
قد أشار كروبر من خلال النظرية الانتشارية إلى تأثير الظروف الزمانية والمكانية في انتشار الصفات المميزة للمجتمعات المختلفة. وقد قام علماء الأنثروبولوجيا بتطوير أفكار النظرية الانتشارية، حيث قسموا الانتشار الثقافي إلى نوعين، أحدهما: يحدث بالصدفة. وآخر: يحدث عن قصد عبر التخطيط المسبق.
خصائص الانتشار الثقافي
قبل الكلام على خصائص الانتشار الثقافي.. من الضروري أن نشير أولاً عوامل الانتشار الثقافي. فلا بد من وجود طرفين أو كثر لتتم عملية انتقال الأفكار أو الانتشار الثقافي، مع ضرورة وجود فرص لحدوث هذا الانتشار مثل الهجرات الجماعية والغزو والتجارة، وغيرها من عوامل الانتشار الثقافي بين الحضارات. فلا شك أن توافر عوامل الانتشار الثقافي هذه يسهل عملية الانتشار الثقافي بين الحضارات والمجتمعات المختلفة. لكن ما هي خصائص الانتشار الثقافي، وما الذي يمكن أن ينتقل عبر المجتمعات؟ ثمة عدد من العناصر التي تشكل هوية الأمم والمجتمعات، مثل:
1.اللغة: فلكل مجتمع لغة خاصة به، حتى أن المجتمع الواحد ينقسم بدوره إلى مجتمعات أصغر تتحدث كل منها لهجة خاصة. ومع تطور هذه اللهجات تصير لغات مختلفة، مثلما حدث مع اللغات التي تنتمي إلى عائلة اللغات السامية كالعربية والعبرية وغيرهما. ولا شك أن طول الجوار بين المجتمعات أو التجارة يساهم في انتقال بعض المفردات والتعابير بين اللغات، كما نجد من التشابه بين اللغة العربية واللغة التركية. كما أن السيطرة السياسية تؤدي ولا شك إلى السيطرة الثقافية، وتسلل ثقافة الأمة الغالبة إلى ثقافات الأمم الأضعف. لذلك كثيراً ما نسمع مصطلحات مثل: الكمبيوتر والتلفزيون والموبايل. ومن ثم فإن اللغة تعد من أهم خصائص الانتشار الثقافي.
2. الآداب والفنون: لا شك أن الأدب يعد من أكثر خصائص الانتشار الثقافي وضوحاً. ويتجلى ذلك في القصص المنتشرة عبر الثقافات المختلفة زمانياً ومكانياً، كقصة سندريلا وقصة الرجل الذي باع نفسه للشيطان، وقد ضربنا مثالاً بقصة سنووايت وقصة ذات الرداء الأحمر، اللتين تعبران بوضوح عن أفكار النظرية الانتشارية لكروبر.
3. المعارف والعلوم: وهذا من أكثر ما تشاهده في الأيام خاصة مع الثورة المعرفية والثقافية الهائلة التي يشهدها العالم. بالإضافة إلى إتاحة المصادر عبر شبكة الإنترنت والمجلات والدوريات العلمية والأرشيف والكتب والصحف وغيرها. وفي الآونة الأخيرة مثلت أزمة كورونا مثالاً حياً لأفكار نظرية الانتشار الثقافي لكروبر. إذ كان بمقدور الأطباء متابعة التطورات التي لاحظها زملاؤهم في المشرق والمغرب. مما يعد دليلاً واضحاً على أن المعرفة من أهم خصائص الانتشار الثقافي.
4. الدين: يعتبر الدين من خصائص الانتشار الثقافي الهامة. فأنت تجد أديان شعوب الهند والصين تتشابه في كثير من المعتقدات. بينما تسود الأديان الإبراهيمية في الشرق الأوسط. على عكس غابات أفريقيا التي يسود فيها عبادة قوى الطبيعة.
خاتمة
وختاماً نرجو أن يكون القارئ الكريم قد وجد هذا المقال مفيداً في التعريف بنظرية الانتشار الثقافي لكروبر، ومفهوم الانتشار الثقافي وأفكار النظرية الانتشارية.
التعليقات (0)